أخبار وطنية الشقق المفروشة: أوكار للدّعارة و المخدرات وترويج العملة والارهاب؟!
باليـوم والأسبـوع والشهر، شقق مشبوهة منتشرة في الأحياء الراقية والشعبية علـــى حـدّ السّـــواء
عصابات الشقق المؤثثة تضم سماسرة وأمنيين ورجال أعمال
فجأة يقطع عماد مكالمته مهرولا خلف سيارة أجنبية متجهة نحو احد المطاعم المحاذية للمقهى. بلهجة تونسية ممزوجة بمفردات ليبية وجزائرية، يبادر هذا السمسار حرفاءه المفترضين بعرض سريع لعناوين بعض الشقق المؤثثة مغريا اياهم بأسعارها «الملائمة». ثم يُمكّن صاحبها من رقم هاتفه لتيسير عملية التواصل و يعود الى مقعده المعهود بالمقهى.
على عاداته الصباحيّة، يرابط عماد امام احد المقاهي المطل على شارع «لوي براي» بضاحية حي الخضراء بالعاصمة.. بسيجارة في اليد و هاتف في الاخرى، يتّخذ له مقعدا متقدما يسمح له بالقاء نظرة فاحصة على الحركة المرورية المتواصلة بالشارع. تكاد رنّات محموله لا تتوقّف.. حرفاء يسألون عن توفّر شقق مفروشة وآخرون يضربون مواعيد لتسلّم مفاتيح غرفهم..
هذا ليس سوى احد الاساليب التي يلجأ اليها البعض لاصطياد حرفاء الشقق المفروشة المشتبه في تحولها الى علب لتجارة الجنس و المخدرات والعملة وللجرائم أيضا.
شقق متاحة للجميع
جرت العادة ان تكون الشقق المفروشة فضاء محبذا لدى بعض السائحين تونسيين كانوا ام اجانب ممن يريدون الابتعاد عن النزل هربا من الاسعار المشطة . لكن ما يجري خلف الابواب المغلقة جعل من بعض الاقامات اماكن مشبوهة.
رحلة بحثنا عما يجري بهذه الشقق انطلقت بوضع خطة عمل ببعض الاحتمالات قصد معرفة ايّ حرفاء يقصدون هذه الاقامات. وبعد البحث عن ارقام هواتف اصحاب هذه المنازل بين طيّات بعض الصحف اليومية وصفحات الفايسبوك و المواقع الالكترونية العقارية، اتصل كاتب التحقيق بعدد منها طالبا من اصحاب هذه الارقام تمكينه من غرف.
الملاحظة الاولى التي اعترضت سبيلنا هي ان تجارة الشقق المؤثثة ليست حكرا على العاصمة أو الاحياء الراقية على غرار حي النصر أو المنازه فقط، بل متوفرة في بعض التجمعات السكنية الشعبية مثل باردو وباب سعدون وحي الخضراء ووسط العاصمة. وهي مبثوثة ايضا في مدن اخرى مثل بنزرت ونابل وسوسة والمهدية وصفاقس..
اسعار تترواح بين 60 و90 دينار في اليوم للشقة
خلال الاتصال بالارقام الهاتفية المصاحبة للاعلانات طلب كاتب التحقيق من احد الساهرين على شقة مفروشة بباردو تمكينه من غرفة لقضاء ليلة رفقة صديقتهّ، فلم يمانع بل رحّب دون ان يبدي رفضه او انزعاجه حتى، مشددا على ضرورة الدفع المسبق لمبلغ مالي قدره 90 دينار قبل يوم من الموعد المحدد. واتصل الصحفي ايضا بصاحب شقة اخرى ببنزرت مقترحا عليه تمكينه من غرفة لشخص واحد فقال متعجبا : «اول مرة يقولي client حاجتي بشقة لوحدي». حينها اغتنم الصحفي الفرصة ليعلن له صراحة رغبته في اصطحابه عشيقته لقضاء وقت ممتع بالشقة بعيدا عن صخب الفضاءات العامة. وبالفعل كان الاتفاق على «شقة للعشاق» و مأوى للسيارة مقابل مبلغ مالي قدره 60 دينارا.
فئة اخرى من السماسرة تواظب على المرابطة امام بعض المصحات الاستشفائية لعرض خدماتهم و انارة حرفائهم عن عناوين و اسعار الشقق المفروشة. خلال تنقل كاتب التحقيق الى مصحة خاصة باحد الاحياء الراقية وبإفصاحه لاحد الشبان المتواجدين امامها عن رغبته في الحصول على شقة لايام معدودات، امده بعدد من الارقام الهاتفية واعدا إيّاه بالتدخل لفائدته لدى احد اصدقائه من السماسرة لتوفير شقة مناسبة.
ملجأ للمارقين والارهابيين
اللافت والخطير في تجارة الشقق المفروشة انها توفر ملجأ لكل من هب ودب، دون اي رقيب او حسيب رغم ان القانون التونسي يفرض على كل مؤجر القيام بعقد كراء مع المستأجر وتبليغ السلطات الامنية في صورة كان الطرف الاخر غير تونسي. صاحب غرفة مؤثثة بسواحل المهدية لم يبد اي اعتراض خلال التفاوض معه على تأجير الشقة لايام معدودات، حين ادعى كاتب التحقيق انه لا يمتلك بطاقة تعريف وطنية بسبب ضياعها مؤخرا. يعني ان هذه المنازل المنفلتة عن الرقابة قد تتحول في اية لحظة( أو تحولت بعد) الى اوكار للمارقين و الفارين من العدالة وحتى الارهابيين. والأكيد أن تفاصيل أحداث منزل رواد الذي تم تأجيره من قبل 7 ارهابيين قبل ان يتم القضاء عليهم من قبل قوات خاصة للامن التونسي لا تزال في البال. كما لا يمكن التغافل عما اوردته وزارة الداخلية من القاء القبض عن ليبيين اثنين في شقة مفروشة بضاحية المنار بالعاصمة وغير بعيد عن مقر اقامة السياسي حمة الهمامي، بحوزتهما الات تصوير وخرائط وعناوين لمؤسسات حساسة و اجهزة تنصت. والغريب في الامر انه تم اطلاق سراح الموقوفين بعد تدخل شخصية متنفذة سبق لها ان توسطت لهم في عملية تاجير الشقة.
عصابات الشقق تورط عناصر امنية وتراخي حكومي
تتحدث مصادر أمنية عن تورط بعض الامنيين ورجال الاعمال في تحويل عدد من المنازل الى شقق للدعارة و تجارة المخدرات وحتى العملة الصعبة. يقول النقابي الامني حبيب الراشدي ان عددا من المستثمرين صاروا يتاجرون في هذه الشقق عبر كراء المئات منها من عند مالكيها ثم يؤثثونها ليسهر على تأجيرها عدد من السماسرة باليوم والاسبوع والشهر لطالبي المتعة مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 60 دينار و200 دينار في الليلة.
كما عرج الراشدي على تورط بعض الامنيين في إدارة عدد من الشقق المشبوهة، كاشفا ان هذه الخلايا المافيوزية قد تم كشفها مؤخرا بعد ان تبين ان العشرات من الشقق المؤثثة بحي النصر والمنازه بالعاصمة كانت تُدار من قبل رجال أمن، مشيرا في الآن ذاته الى عدم تتبع بعض السماسرة المتورطين، خاصة وانه في حوزة البعض منهم ما لا يقل عن 20 قضية جنائية.
ولم يستبعد النقابي الامني وجود علاقة عضوية بين الارهاب وتجارة الشقق المؤثثة، مشيرا الى امكانية استغلال العائدات الضخمة لتجارة الرقيق و المخدرات داخل هذه المنازل لتوفير الدعم المالي للتنظيمات الارهابية على غرار ما يقوم به تنظيم طالبان باستغلاله لتجارة المخدرات للتزود بالأسلحة في افغانستان.
قبل اشهر قليلة نظم عدد من النقابيين الأمنيين ندوة صحفية تحدثوا فيها عن الفوضى العارمة في المنازل المعدة للكراء. كما تقدم بعضهم بمعطيات الى ادارة الامن العمومي، دون ان يتم اتخاذ اجراءات عملية حاسمة في الملف. النقابي الامني وليد زروق يفسر هذا التراخي في مواجهة عصابات الشقق والجنس والمخدرات و العملة بالعلاقات الوطيدة لهذه المافيا ببعض المنتسبين للمؤسستين الامنية والقضائية وغياب الارادة السياسية في وضع حد لهذه الآفة.
بل ويكتب زروق على حسابه بالفايسبوك ذاكرا بالاسم والصفة (عون بفرقة الارشاد) احد الامنيين متهما اياه بالتستر و الضلوع في استغلال شقق للدعارة وترويج العملة، طالبا من وزير الداخلية والمدير العام للامن الوطني و مدير عام المصالح المشتركة ومكونات المجتمع التونسي لوقف هذه الاعمال المافيوزية.
تجارة الشقق المؤثثة ليست بالوافد الجديد ابان الثورة، بل كانت مرتبطة احيانا بصورة تونس كوجهة للسياحة الجنسية للعديد من قاصديها، لكن صدى هذه العلب السوداء صار مسموعا اكثر خلال الثلاث سنوات الاخيرة. لا عجب اذن ان تطالعنا الاخبار بقصص مرعبة عن تهشم رأس فتاة بعد إلقائها من شرفة شقة مستأجرة في النصر او سوسة. ولكن هذا الضجيج سرعان ما يهفت، ليظل الملف طي صفحات الحوادث لا غير.
محمد الجلّالي